مباشر- محمد الخولي: يبدو أن التقدم البطيء في الحد من معدلات التضخم المرتفعة، قد يختبر صبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة في ظل ظروف اقتصادية قد تأخذ وقتًا أطول قبل أن تبدأ في التحسن التدريجي.
المسؤولون في تركيا أكدوا الالتزام بالإصلاح الاقتصادي، ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بالفعل بمقدار 36.5 نقطة مئوية يونيو الماضي، كما شدد وزير المالية محمد شيمشك، من سياسات وزارته ورفع الضرائب غير المباشرة وعدّل الأسعار المنظمة للأسواق.
خفض التضخم
لكن هذه التأكيدات جاءت اتساقًا مع تصريحات الرئيس أردوغان نفسه، عندما قدم البرنامج الاقتصادي المتوسط الأجل للبلاد في سبتمبر الماضي، متعهدًا بخفض التضخم إلى خانة الآحاد بمساعدة السياسة النقدية المتشددة.
ورغم أن تدفقات رأس المال قصيرة الأجل كانت بطيئة في البداية، بسبب تشكك المستثمرين في قدرة فريق إدارة الاقتصاد الجديد على الاستمرار، لكنها تسارعت في الأسابيع الخمسة التي سبقت يناير 2024. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، انخفضت علاوة المخاطرة على السندات الحكومية التركية بشكل ملحوظ، من 679 إلى 280 نقطة أساس.
وبحسب سيلفا ديميرالب، أستاذ الاقتصاد ورئيس مركز يابي كريدي للأبحاث الاقتصادية في جامعة كوتش، ومدير منتدى البحوث الاقتصادية التابع لجامعة كوتش، فأن إصلاح الضرر الناجم عن سنوات من السياسات غير التقليدية يشكل تحديًا هائلًا أمام أردوغان وحكومته. إذ أنه ورغم العديد من الدلائل التي تشير إلى التعافي لفترة طويلة، بلغ معدل التضخم في تركيا 65% في نهاية عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 75% بحلول منتصف عام 2024.
دائرة لا تنتهي
وتزداد مشكلة التضخم صعوبة بحسب “ديميرالب”، عندما يتصرف المستهلكون في الأسواق مع توقعات بارتفاع التضخم. إذ يسارعون للشراء تعويضًا عن تأثرهم بتشديد السياسة النقدية “العدواني”، خاصة بعد زيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار النصف قبل الانتخابات المحلية في مارس الماضي، ما يؤدي إلى استمرار الضغوط التضخمية، التي تحاربها الدولة في الأصل.
توقعات التضخم المتشائمة التي لم تظهر علامات الاعتدال حيالها إلا في الآونة الأخيرة، يمكن أن يكون سببها، هو النهج التدريجي الذي اتبعه المركزي في البداية بعد تعيين حافظ جاي إركان محافظًا في أوائل يونيو.
كانت الزيادة في سعر الفائدة بمقدار 6.5 نقطة مئوية في وقت لاحق من ذلك الشهر و2.5 نقطة مئوية في يوليو، مخيبة للتوقعات التي كانت تنتظر تشديدًا أكثر قوة، وهو ما لم يحدث حتى تم إصلاح لجنة السياسة النقدية في آواخر يوليو، حيث تبنى المركزي موقفًا أكثر قوة، وبلغ ذروته في العديد من الزيادات الكبيرة التي شهدتها أسعار الفائدة.
وتشير “ديميرالب” إلى أنه لو كان “المركزي” رفع أسعار الفائدة في البداية، بالوتيرة المطلوبة لكان من المرجح أن يبدأ تعديل توقعات التضخم وما يقابله من تدفق لرأس المال في وقت مبكر، حتى ولو ظلت ذروة سعر الفائدة على حالها في النهاية.
4 محافظين في خمس سنوات
ونظراً لأن “المركزي” فقد قدرًا كبيرًا من مصداقيته بعد إقالة أربعة محافظين في خمس سنوات، كما ارتفعت معدلات التضخم من 8.5% في سبتمبر 2019 إلى 83.4% في سبتمبر 2022، كان يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات حاسمة لاستعادة ثقة الأسواق المالية.
علاوة على ذلك، أدى النهج الأولي الذي اتبعه “المركزي” إلى دفع مستثمري السندات إلى تأخير مشترياتهم حتى ذروة الدورة لتحسين عائداتهم، الأمر الذي أدى لعدم ظهور تدفقات رأس مال ملحوظة إلا عقب إشارة “المركزي” إلى قرب نهاية دورة التشديد في نوفمبر.
في النهاية أدت رسائل “المركزي” الخجولة إلى تقويض الجهود الرامية إلى استعادة مصداقيتها.
حفيظة غاية إركان
خلال يوليو وأكتوبر، أشارت محافظة المركزي المستقيلة، حفيظة غاية إركان، إلى أنها لن تفكر في المساس بالنمو من أجل مكافحة التضخم. ورغم أن هذه الفكرة معقولة من الناحية النظرية، فإن التنفيذ الفعّال لهذه الفكرة يتطلب على نحو لا يخلو من المفارقة، نهجًا أكثر حزمًا يظهر التزام البنك الثابت بتخفيف الضغوط التضخمية.
على سبيل المثال، أظهر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد استعدادهما لقبول التباطؤ الاقتصادي باعتباره مقايضة ضرورية للسيطرة على التضخم، وبالتالي تعزيز التزامهما في نظر الأسواق.
وفي نوفمبر، اعترفت “إركان” أخيرًا بأن “المركزي” سيدفع تكلفة أعلى لاحتواء الضغوط التضخمية.
علاوة على ذلك، كثيرًا ما يستخدم “المركزي” وكبار المسؤولين الحكوميين عبارات مثل “التشديد النقدي” أو “التشديد الكمي” في اتصالاتهم السياسية، في حين يتجنبون مصطلحات أكثر مباشرة مثل “رفع أسعار الفائدة”، وهذا الاختيار للغة، إلى جانب نفور “أردوغان” الموثق من أسعار الفائدة، يلقي بظلاله على استقلال “المركزي” في النهاية.
إركان وشيمشيك وكارهان
وأخيرًا، وفي حين أن استقالة “إركان” من منصب محافظ البنك المركزي في الثاني من فبراير 2024، بسبب تقارير عن مشاركة والدها غير الرسمية في البنك المركزي، تذكرنا بالباب الدوار الذي شهدته السنوات الخمس الماضية، عندما واصل “أردوغان” تجربته الاقتصادية غير التقليدية، فمن غير المرجح أن تؤدي الاستقالة إلى تحول في السياسة.
والأهم من ذلك، وبغض النظر حول ما استقلال البنك المركزي إن كان قويًا بشكل استثنائي أو ضعيفًا بشكل ملحوظ، فإن هوية المحافظ ووجهات نظره الشخصية لا يكون لها تأثير يذكر على مسار السياسة النقدية.
ففي البلدان ذات الاستقلال المؤسسي المحدود مثل تركيا، يُنظر إلى السلطات السياسية باعتبارها صانع القرار النهائي، وبالتالي فإن اللحظة المحورية للتحول إلى السياسة الاقتصادية التقليدية كانت تتلخص في تعيين “شيمشك” الذي يحظى باحترام واسع النطاق وزيرًا للمالية، طالما أنه من غير المرجح أن يتغير الموقف السياسي لـ”المركزي” بشكل كبير، حتى بغض النظر عما إذا كانت “إركان” أو المحافظ الجديد فاتح كاراهان، هو المتحكم في السياسة النقدية للبلاد.
للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا
تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام
ترشيحات
برلمانية مصرية: مصانع الدواء لا بد أن تحقق هامش ربح لاستمرار التصنيع
جمعية رجال الأعمال: القطاع الخاص المصري يلتزم بزيادات دورية للعاملين كل عام