
مباشر- يشهد سوق السيارات الكهربائية العالمي حالة من التباطؤ الملحوظ في النمو، مما يثير تساؤلات جوهرية حول قدرة العالم على تحقيق أهدافه المناخية الصفرية في ظل استمرار النقل البري كمصدر لخُمس انبعاثات الكربون.
وبعد سنوات من الاندفاع الحكومي نحو تقديم الحوافز وإعادة هيكلة المصانع، يواجه القطاع اليوم تذبذباً حاداً أدى إلى إحجام السائقين عن التحول للمركبات الكهربائية بسبب ارتفاع الأسعار ونقص البنية التحتية. وتزامن هذا التراجع مع قرارات حاسمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ألغى معايير كفاءة استهلاك الوقود، مما دفع كبرى الشركات مثل “مرسيدس” و”فولكس فاجن” إلى تقليص استثماراتها في هذا المجال والعودة للمراهنة على محركات الاحتراق الداخلي لسنوات قادمة، بحسب تقرير “بلومبرج”.
وفي القارة الأوروبية، التي لطالما كانت رائدة في سياسات المناخ، بدأت المفوضية الأوروبية مراجعة خططها الطموحة لحظر محركات الاحتراق بحلول عام 2035، مستبدلة الحظر التام باقتراح يقضي بخفض الانبعاثات بنسبة 90% فقط. ويسمح هذا التوجه الجديد للمصنعين بالاستمرار في بيع السيارات الهجينة والتقليدية، مع تعويض التلوث باستخدام وقود منخفض الكربون أو “فولاذ أخضر”. ويعكس هذا التراجع اعترافاً سياسياً بأن التحول الشامل نحو الطاقة النظيفة سيستغرق وقتاً أطول من المتوقع، لتجنب تدمير الأرباح وفقدان مئات الآلاف من فرص العمل في مصانع التجميع التقليدية التي توظف عمالة أكثر بكثير من مصانع البطاريات.
وعلى صعيد السياسات الدولية، تشكك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التغير المناخي، حيث تسعى لتفكيك مراكز أبحاث المناخ الرئيسية وإنهاء الدعم الحكومي للتقنيات النظيفة. ورغم أن مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 12% في الأرباع السنوية الثلاثة الأولى من عام 2025، يتوقع الخبراء تأثراً سلبياً مستقبلياً بعد إعلان إدارة ترامب عزمها تخفيف المعايير الصارمة لاستهلاك الوقود. ويضع هذا التوجه الشركات الأمريكية والغربية في مواجهة صعبة مع نظيراتها الصينية مثل شركة “BYD”، التي باتت تهيمن على السوق العالمي بفضل أسعارها التنافسية ودعم بكين المستمر لبرامج استبدال السيارات القديمة.
وتواجه الحكومات الغربية الآن معضلة معقدة؛ فبينما يساعد استيراد السيارات الصينية الرخيصة في خفض الأسعار وتحفيز الطلب المحلي، يهدد بالقضاء على الصناعات الوطنية ويرسخ هيمنة الصين على القطاعات الخضراء المستقبلية. وأدى هذا الخوف إلى فرض تعريفات جمركية وقيود إضافية على الواردات لحماية الشركات المحلية الناشئة، في وقت تعثرت فيه مساعي أوروبا لبناء صناعة بطاريات محلية قوية، حيث تم تأجيل أو إلغاء معظم المصانع المخطط لها. ويؤدي هذا التباطؤ في التحول إلى عرقلة عملية إزالة الكربون من قطاع النقل، مما يترك أهداف المناخ العالمية في مهب الريح أمام المصالح الاقتصادية والسياسية المباشرة.
ورغم هذه التحديات، تلوح في الأفق بوادر أمل مع سعي شركات صناعة السيارات لتقديم طرازات أكثر ملاءمة لميزانية المستهلك العادي. فقد بدأت شركات مثل “رينو” و”ستيلانتيس” في طرح سيارات كهربائية مخصصة للمدن بأسعار تقل عن 20 ألف يورو، في محاولة لجذب المشترين المترددين الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة السيارات الكهربائية الفاخرة. وتتوقع “جماعة الضغط والنقل والبيئة” أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية في الاتحاد الأوروبي إلى مستويات قياسية هذا العام بفضل هذه الطرازات الجديدة، رغم أنها لا تزال دون المستوى المطلوب للوصول إلى حصة سوقية كاملة بحلول منتصف العقد القادم.
إن الصراع الدائر حالياً بين الأهداف البيئية والواقع الاقتصادي يشير إلى أن مستقبل النقل سيعتمد على التوازن بين الابتكار التقني والقدرة الشرائية للمستهلكين. ومع استمرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نهجه الحمائي وتفكيك الدعم الأخضر، ستجد الشركات الغربية نفسها مضطرة لابتكار حلول أكثر كفاءة لمنافسة الصين، ليس فقط في التكنولوجيا، بل في التكلفة أيضاً. ويبقى التحول التدريجي هو السمة الغالبة للمرحلة المقبلة، حيث ستبقى محركات الاحتراق والسيارات الهجينة جزءاً أساسياً من المشهد المروري العالمي لفترة أطول مما كان يتخيله دعاة حماية البيئة قبل سنوات قليلة.

