مباشر- تصاعدت حدة التوتر في العواصم الأوروبية عقب تهديدات موسكو الصريحة بالانتقام من الشركات الغربية، رداً على تحرك الاتحاد الأوروبي لتجميد الأصول الروسية إلى أجل غير مسمى وتوجيه عوائدها لدعم أوكرانيا.
وكان التكتل قد وافق مؤخراً على إبقاء 210 مليار يورو من أصول موسكو مجمدة، كجزء من خطة لتوفير قرض بقيمة 90 مليار يورو لكييف خلال العامين المقبلين. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه التحركات بأنها “سرقة ممتلكات”، متوعداً برد “قاسٍ” قد يشمل الاستيلاء على ما تبقى من أصول واستثمارات غربية داخل روسيا، وهو ما أثار قلقاً بالغاً في دول مثل بلجيكا وإيطاليا والنمسا، وفقا لصحيفة “فينانشال تايمز”.
وتقف بلجيكا، التي تستضيف الغالبية العظمى من هذه الأصول عبر شركة “يوروكلير”، في طليعة الدول المتخوفة من التبعات القانونية والمالية؛ حيث طالب رئيس وزرائها، بارت دي ويفر، بتقديم ضمانات “غير محدودة” من الدول الأعضاء لتقاسم العبء في حال نفذت موسكو وعيدها. وفي سياق متصل، رفع البنك المركزي الروسي بالفعل دعوى قضائية بقيمة 229 مليار دولار ضد “يوروكلير” أمام محاكم موسكو، ومن المقرر عقد جلستها الأولى في يناير المقبل. ويرى مسؤولون بلجيكيون أن أي استخدام للأصول المجمّدة قد يجر القارة إلى عواقب وخيمة، خاصة وأن الكرملين سنّ إجراءات تنظيمية تسهل عمليات التأميم السريع للأصول الأجنبية.
تشير بيانات معهد كييف للاقتصاد إلى أن الشركات الغربية لا تزال تمتلك أصولاً لا تقل قيمتها عن 127 مليار دولار داخل روسيا اعتباراً من عام 2024، وهي مبالغ باتت تخضع فعلياً لسيطرة الكرملين ومطالبة بـ “التخلي عن حقوقها في الاستثمار”. وقد استولت موسكو بالفعل على أصول 32 شركة غربية على الأقل في نزاعات سابقة، مما تسبب في خسائر ناهزت 57 مليار دولار. وتُعد فروع البنوك الكبرى مثل “رايفايزن” النمساوي و”يونيكريديت” الإيطالي من أبرز الأهداف المحتملة، حيث تحقق أرباحاً طائلة تقدر بمليارات الدولارات لكنها عاجزة عن تحويلها للخارج بسبب القيود الروسية المشددة.
وعلى الرغم من انسحاب مئات الشركات الأجنبية منذ بداية الغزو، لا تزال هناك أكثر من 2300 شركة نشطة في روسيا، مما يجعلها “رهائن” في يد بوتين لاستخدامها كورقة ضغط ضد بروكسل. وحذر نواب إيطاليون ومنتمون لأحزاب يمين الوسط من أن “سرقة” أموال دولة أخرى ستؤدي حتماً إلى كارثة أكبر، حيث ستشعر روسيا بحرية مطلقة في مصادرة كافة الأصول الأجنبية المتبقية. وتتخوف النمسا بشكل خاص من تأميم بنك “رايفايزن”، الذي يمثل ركيزة اقتصادية هامة، وسط شعور متزايد في فيينا بأن المفوضية الأوروبية لا تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد في خضم اندفاعها لتمويل المجهود الحربي الأوكراني.
تمتلك روسيا ورقة رابحة أخرى تتمثل في حسابات الفئة “ج” التي تُحفظ فيها أرباح وفوائد المستثمرين الغروبيين الممنوعين من سحب أموالهم. وتقدر ألكسندرا بروكوبينكو، المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي، أن قيمة هذه الحسابات قد نمت بشكل هائل، حيث وزع بنك “سبيربنك” وحده ربع أرباحه لعام 2024 في هذه الحسابات. وإذا تحركت أوروبا للاستيلاء على الاحتياطيات الروسية، فإن الكرملين يستطيع ببساطة تحويل مئات المليارات من هذه الحسابات مباشرة إلى ميزانية الدفاع الروسية دون الحاجة لانتظار جلسات المحاكم الطويلة، وهو ما يمنحه مصدراً فورياً للتمويل.
وبالإضافة إلى المصادرة المباشرة، يتبع الكرملين استراتيجية “إحباط المعنويات” عبر إغراق الحكومات والشركات الغربية في دعاوى قضائية دولية طويلة الأمد؛ حيث قدم العشرات من الأوليغاركيين الروس طعوناً قانونية بقيمة مطالبات تتجاوز 62 مليار دولار. وتهدف هذه التحركات ليس فقط للفوز القضائي، بل لزيادة التكاليف وتعطيل قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستفادة الكاملة من الأصول المجمّدة. ومع استمرار بلجيكا في مقاومة الضغوط قبل قمة بروكسل الحاسمة، يظل التساؤل قائماً حول مدى قدرة التضامن الأوروبي على الصمود أمام “زلزال الانتقام” الذي يلوح به بوتين في وجه الاستثمارات الغربية.

صمم الموقع بإبداع وشغف في❤ خط التسويق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط ليقدم لك تجربة تصفح أفضل. من خلال تصفح هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.